بحث هذه المدونة الإلكترونية

حياة الأنبياء البرزخية

  
  الحياة البرزخية حياة حقيقية وهذا ما دلت عليه الايات البينات والاحاديث المشهورة الصحيحة. هذه الحياة الحقيقية لاتعارض وصفهم بالموت كما جاء ذلك في كتاب الله العزيز اذ يقــــول :        (انـك ميـت وانهم ميتون ) ويقول تعالي :- ( وماجعلنا لبشر من قبلك الخلد ).
  لقد تضافرت الاحاديث والاثار التي تثبت بان الميت يسمع ويحس ويعرف سواء كان مؤمنا او كافراً . وينبغي ان نبين للناس معني تلك الحياة وانها حياة برزخية وانها ليست كحياتنا هذه بل هي حياة خاصة لائقة بهم وبالعالم الذي هم فيه لكن لابد ان نبين لهم ايضاً انها ليست كحياتنا لان حياتنا اقل واحقر واضيق واضعف . فالانسان فيها بين عبادة وعادة وطاعة ومعصية وواجبات مختلفة لنفسه واهله ولربه وانه تارة يكون في المسجد وتارة يكون في الحمام وانه لا يدري بم يختم له . فقد يكون بينه وبين الجنة ذراع ثم ينقلب الامر رأساً علي عقب فيصير من اهل النار وبالعكس اما في البرزخ فانه ان كان من اهل الايمان فانه قد جاوز فترة الامتحان التي لا يثبت عندها  الا  من اهل السعادة . ثم انه قد انقطع عنه التكليف واصبح روحاً مشرفة طاهرة مفكرة سياحه سباحه جواله في ملكوت الله وملكه سبحانه وتعالي لاهم ولاحزن ولاباس ولاقلق لانه لا دنياً ولاعقار ولا ذهب ولافضه فلا حسد ولابغي ولاحقد وللانبياء عليهم الصلاة والسلام في البرزخ خصائص انفرادوا بها دون غيرهم من البشر ولو شاركهم غيرهم في بعضها فهو علي وجه الالحاق النسبي وتبقي الخصوصية للانبياء من جهتين:
الاولي : من جهة الاصالة
الثانية : من جهة الكمال

فإن القول بحياة الانبياء امر ظاهر كالشمس لايحتاج الي اثبات بل ان الصواب هو ان نقرر بان حياتهم اكمل واجل واتم واعظم وهكذا حياة الناس علي ظهر الارض في الدينا فإنها درجات ومقامات ومراتب  متفاوته فمنهم أموات في صورة أحياء قال فيهم المولى جل شأنه :(لهم قلوب لايفقهون بها ولهم أعين لايبصرون بها ولهم آذان لايسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) .

ومنهم الذين قال فيهم: (ألا إن أولياء اللّه لا خوف عليهم ولاهم يحزنون)

ومنهم من قال فيهم: (قد أفلح المؤمنون) إلى قوله: (أولئك هم الوارثون) ومنهم من قال (إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون ).

وهكذا الحياة البرزخية درجات ومراتب ومقامات متفاوته (ومن كان في هذه أعمى فهو في الأخرة أعمى وأضل سبيلا ) .

أما الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإن حياتهم ورزقهم ومعرفتهم وسماعهم وإدراكهم وشعورهم وإحساسهم أكمل وأتم وأرفع من غيرهم والدليل هو قوله تعالى في حق الشهداء :
(ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) .

وإذا كانت الحياة معناها بقاء الروح فلا تفنى ولاتبلى فلا مزية للشهيد يستحق أن تذكر وتشتهر إذ أرواح جميع بني آدم باقية لاتفنى ولاتبلى وهو الصواب الذي عليه المحققون من أهل العلم كما حققه أهل العلم فلا بد من وجود مزية ظاهرة يزيد بها الشهداء على من سواهم والا كان ذكر حياتهم عبثاً لا فائدة منه خصوصاً وأن الله تعالى نهى أن نقول عنهم أموات فقال : (ولاتقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لاتشعرون) .

وحينئذ نقول إنه لابد من أن تكون حياتهم أكمل من غيرهم وأشرف وهذا مايؤديه ظاهر النصوص فأرواحهم مرزوقة ترد انهار الجنة وتأكل ثمارها كما قال تعالى : (عند ربهم يرزقون) .ثم إحساسهم بذلك الطعام والشراب والنعيم إحساس كامل بشعور تام وتلذذ تام وتمتع حقيقي كما جاء في الحديث : فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا : ياليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا ( قال ابن كثير رواه أحمد) . وأرواحهم لها تصرف أكبر من غيرها وأوسع فهي تتجول وتسرح في الجنة حيث تشاء ثم تأوي الى قناديل تحت العرش (كذا في الصحيح ) .

وهم يسمعون الكلام ويفهمون الخطاب فقد جاء في الصحيح أن الله تعالى يقول لكم ماتشتهون ؟ فيقولون : كذا وكذا ، ويعود السؤال ويعود الجواب . ثم يطلبون أن يعودوا إلى الدنيا للجهاد ، ثم يطلبون ان يبلغ الله عنهم رسالة منهم إلى إخوانهم بالدنيا فيها بيان ما أكرمهم الله به فيقول الله : (أنا أبلغ عنكم ) .

فإذا ثبت هذا في حق الشهداء ثبت في حق الأنبياء من وجهين :
الأول : أن هذه رتبة شريفة أعطيت للشهيد كرامة له ولا رتبة أعلى من رتبة الأنبياء . ولاشك أن حال الأنبياء أعلى و أكمل من حال جميع الشهداء فيستحيل ان يحصل كمال للشهداء ولايحصل للأنبياء ولاسيما هذا الكمال الذي يوجب زيادة القربى والزلفى والنعيم والأنس بالعلى الاعلى .

الثاني : أن هذه الرتبة حصلت للشهداء أجراً على جهادهم وبذلهم أنفسهم لله تعالى : والنبي r هو الذي سن لنا ذلك ودعانا إليه وهدانا له بإذن الله تعالى وتوفيقه ، وقد قال r : ( من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها الى يوم القيامة ) والاحاديث الصحيحه في ذلك كثيرة مشهورة فكل أجر حصل للشهيد حصل للنبي r  لسعيه مثله والحياة أجر فيحصل للبني r  مثلها .

أن حياة الأنبياء البرزخية حقيقية وخصوصاً نبينا محمد r  هي أرفع وأكمل في أن يتصور جاهل أو أحمق أننا نعنى بها أن يعيشوا كما نعيش فيأكلون ويشربون محتاجين للأكل والشرب ويبولون ويتغوطون مضطرين إلى ذلك ويخرجون من قبورهم لحضور مجالس الذكر ومجامع القرآن ومشاركة الأمة في أفراحها وأحزانها واعيادها ومواسمها ثم يرجعون إلى قبورهم تحت الأرض في تلك الحفرة الضيقة وفوقهم التراب ؟. ليس في هذا أدنى كرامة أو منقبة بل هو عين الإهانة التي لايرضاها الانسان لتابع أو خادم له فضلاً عن أن يمن الله تعالى بذلك على خير خلقه وأجل عبيده حاشا وكلا وألف حاشا وكلا إن الحياة البرزخية الحقيقية هي الشعور التام والادراك الكامل والمعرفة الصادقة . إنها حياة طيبة صالحة دعاء وتسبيح وتهليل وتحميد وصلاة .

وثمرات تلك الحياة البرزخية للأنبياء صلاتهم في قبورهم صلاة حقيقية ليست خيالية ولامثالية وقد جاءت أحاديث في هذا الموضوع فمنها عن أنس ابن مالك قال : قال رسول الله r: (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون ) .

وأعلم بأن حديث( ان اللّه حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ). ورد من طرق كثيرة جمعها الحافظ المنذري في جزء مخصوص وقال في الترغيب والترهيب رواه ابن ماجه بإسناد جيد ورواه أحمد وأبو داؤود وابن حبان في صحيحه إلى غير ذلك مما يحصل في جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو راجع إلى أنهم غيبوا عنا بحيث لاندركهم وإن كانوا موجودين أحياء ذلك كالحال في الملائكة فإنهم أحياء موجودين ولا نراهم .

وقد ألف في هذا الموضوع الامام الحجة أبوبكر بن الحسين البيهقي رسالة خاصة جمع فيها جملة من الأحاديث التي تدل على حياة الأنبياء وبقاء أجسادهم ،وكذلك ألف الحافظ جلال الدين السيوطي رسالة خاصة بذلك .

        وقد ثبت لنبينا محمد r  حياة برزخيه أكمل وأعظم من غيره تحدث عنها بنفسه تثبت اتصاله بالأمة المحمدية ومعرفته بأحوالها وإطلاعه على أعمالها وسماعه لكلامهم ورده لسلامهم والاحاديث في هذا الباب كثيرة ..

        فمنها عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه عن النبي r : ( ان لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتى السلام) وقال r: (حياتي خير لكم ووفاتي خير لكم تعرض أعمالكم علىّ فما رأيت من خير حمدت الله ومارأيت من شر استغفرت الله لكم ) . وهذا يدل على أن النبي  r: يعلم أعمالنا يعرضها عليه ويستغفر الله لنا على مافعلنا من سئ و قبيح واذا كان كذلك فإنه يجوز أن نتوسل به إلى الله ونستشفع به لديه لأنه يعلم بذلك فيشفع لنا ويدعو لنا وهو الشفيع المشفع r  وزاده تشريفاً وتكريماً وقد أخبر الله في القرآن الكريم ان النبي r شهيد على أمته وذلك يقتضي أن تعرض أعمالهم عليه ليشهد على مارأي وعلم