بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 15 أغسطس 2014

خطر العين



بسم الله الرحمن الرحيم

( اللهم صلى وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه )

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه وعلى آله وصحبه وإخوانه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها الأحباب: لقد ظهرت طوائف من المعنيين بالثقافة والطب، ممن قل نصيبهم من نصوص الكتاب والسنة، فأبطلوا أمر العين، وادعوا أنها مجرد أوهام وأطياف خيال.
     أن الأجابة عن كيفية الإصابة والكشف عن حقيقة العين ذلك فعلاً ومسبباً ليس بالعمل الميسور، ولم يزل ذلك خفيا حتى اليوم ، لأنه غير محسوس  وغير المحسوس لا يمكن إداركه بالحس ، وأنما الحس يدرك آثاره ويحكم بوجودة أو عدمه، أما كنه علمه وتفاعلاته فلا، مثله كالروح في الجسم وتيار الكهرباء، وتلك الإشاعات الحديثة تدرك آثارها وتصور وجودها من تلك الآثار ومن هذا الباب تاثير عين العائن في من أصابه بعينه .
      لاشك أن الأصابة بالعين وقد تظهر إذا كان الشخص أو المال متصف بالصفات التي يتمز بها عن غيره، فحدث فيه ما غيرها فجأة من مرض أونقص أوكسر أو حادث مرورى او نحو ذلك، ثم أن المريض بالعين يصاب بصره إذا كان حديد البصر، وفي سعيه إذا كان شديد السعي، وفي ماله الكثير الحسن بالتلف أو الكساد أوالهلاك أو سيارته وبيته المشيد، وزوجته الحسناء وأولاده الكثرين، ونحو ذلك ومتى مرض وذهـب الي  المستشفيات فبعد الكشف والتحاليل وجد سليماً صحيحاً لم يعرف الأطباء علته، مـع كونه يصرع عندهم ، ويتألم ولايعلمون ما فيه، ثم يعالج بالرقية والأسباب التي تعالج بها العين فبيرأ بإذن الله تعالي، فيقال أنه به عين حاسده زالت بهذه الأسباب التي يتعاطها القراء وأهل الرقية . والذي يمكن معرفته من كيفية الإصابة بالعين هو العائن إذا رأى ما يعجبه و لم يبرك قد يخلق الله من الضرر للمعين ما يشاء إذا شاء .
     ولقد أصيب بها الكثيرون على حين غفلة من الأذكار و الأوراد الشرعية التي هي حصون مكينة فتناثرت جثث، وتهالكت أجساد، وتردت نفوس، وتعطلت مواهب من جرائها..
     إن الإنسان مهما قوي فهو ضعيف، ومهما اتسعت علومه فعلمه قاصر، وحاجته إلى شريعة ربه والتسليم لنصوصه أشد من حاجته إلى الماء والهواء، فما أعظم نعمة الدين الصحيح والعقل الصريح، فلا دين بلا عقل، ولا عقل بلا دين.
      العين حق لا شك فيه، وهي ثابتة بالكتاب والسنة وبالوقائع المتكررة، يقول الله عز وجل لنبيه: (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ)[1] أي يعينونك بأبصارهم. قال ابن كثير رحمه الله: "وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حقٌّ بأمر الله عز وجل".
ولقد صدق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين)[2] .
وقال عليه الصلاة والسلام في العين: «تورد الرجل القبرَ، وتُدخل الجمل القدر»[3].
ومما يدل كذلك على أن العين حق قول ربنا: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)[4] ، قال قتادة: "أي من شر عينه ونفسه"، وقال ابن القيم رحمه الله: "كل عائن حاسد".
الأدلة من الكتاب والسنة على وجود العين
1 ـ القرآن الكريم :
(أ ) ـ قال تعالى في قصة يعقوب عليه السلام مع بنيه حين أرسلهم إلى عزيز مصر : (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)[5] ، والشاهد من هذه الآية : أن يعقوب عليه السلام خشي على أولاده من العين ، ولولا ذلك ما قال لهم هذا الكلام ، فدل على وجود العائن .
     قال ابن كثير في تفسيره : يقول تعالى إخبارا عن يعقوب عليه السلام أنه أمر بنيه لما جهزهم مع أخيهم بنيامين إلى مصر أن لا يدخلوا كلهم من باب واحد ؛ وليدخلوا من أبواب متفرقة ؛ فإنه كما قال ابن عباس ومحمد بن كعب ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي ، وغير واحد : إنه خشي عليهم العين ؛ وذلك أنهم كانوا ذوي جمال ، وهيئة حسنة ، ومنظر وبهاء ، فخشى عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم ؛ فإن العين حق  تستنزل الفارس عن فرسه .
وروى ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله تعالى : (وادخلوا من أبواب متفرقة ) قال : علم أنه سيلقى إخوته في بعض تلك الأبواب وقوله : (وما أغني عنكم من الله من شيء)؛ أي إن هذا الإحتراز لا يرد قدر الله وقضاءه ، إذا أراد شيئا لا يخالف ولا يمانع .(إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون )[6] . أ ـ هـ
    وقال القرطبي : لما عزموا على الخروج خشي عليهم العين ، فأمرهم ألا يدخلوا مصر من باب واحد ـ وكانت مصر لها أربعة أبواب ـ وإنما خاف عليهم العين ؛ لكونهم أحد عشر رجلا لرجل واحد ، وكانوا أهل جمال وكمال وبسطة ، قاله ابن عباس والضحاك وقتادة وغيرهم الثانية : إذا كان هذا معنى الآية فيكون فيها دليل على التحرز من العين فتكون حق)[7] . أ ـ هـ
     وقال البغوي : وقال لهم لما أرادوا الخروج من عنده : (يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ) ؛ وذلك أنهم خاف عليهم العين ؛ لأنهم كانوا أعطوا جمالا وقوة وامتدادا قامة ، وكانوا ولد رجل واحد ، فأمرهم أن يتفرقوا في دخولهم لئلا يصابوا بالعين ؛ فإن العين حق ... وعن إبراهيم النخعي أنه قال : ذلك لأنه كان يرجو أن يروا يوسف في التفرق .
والأول أصح ، ثم قال : (وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) معناه : إن كان الله قضى فيكم قضاء فيصيبكم مجتمعين كنتم أو متفرقين ، فإن المقدور كائن ، والحذر لا ينفع عن القدر .
 (إن الحكم ) ما الحكم (إلا لله ) هذا تفويض يعقوب أموره إلى الله (عليه توكلت) : اعتمدت (وعليه فليتوكل المتوكلون )[8] . أ ـ هـ
(ب) - وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم :
(وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ)[9]، قال ابن كثير : وفي هذه الآية : دليل على أن العين إصابتها ، وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة الإصابة بالعين حق)[10] . أ ـ هـ
ـ وقال القرطبي :
(ليزلقونك) : أي يعنانونك (بأبصارهم ) : أخبر بشدة عداوتهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأرادوا أن يصيبوه بالعين ، فنظر إليه قوم من قريش وقالوا : ما رأينا مثله ولا مثل حججه .
وقيل : كانت العين في بني أسد حتى إن البقرة السمينة أو الناقة السمينة تمر بهم فيعاينها ثم يقول : يا جارية خذي المكتل والدرهم فأتينا بلحم هذه الناقة ، فما تبرح حتى تقع للموت  فتنحر .
وكان الرجل من العرب يمكث لا يأكل شيئا يومين أو ثلاثة ، ثم يرفع جانب الخباء فتمر به الإبل أو الغنم فيقول : لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه، فما تذهب إلا قليلا حتى تسقط منها طائفة هالكة ، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعين ، فأجابهم ، فلما مر النبي صلى الله عليه وسلم أنشد :
       قد كان قومك يحسبونك سيدا : وإخال أنك سيد معيون
فعصم الله النبي صلى الله عليه وسلم ، ونزلت : (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ ...) .
 وذكر نحوه الماوردي ، وأن العرب إذا أراد أحدهم أن يصيب أحدا يعني في نفسه وماله تجوع ثلاثة أيام ، ثم يتعرض لنفسه وماله فيقول : تالله ما رأيت أقوى منه ولا أشجع ولا أكثر منه ولا أحسن ، فيصيبه بعينه فيهلكه هو وماله ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، قال القشيري : وفي هذا نظر لأن الإصابة بالعين إنما تكون مع الاستحسان والإعجاب لا مع الكراهية والبغض)[11] . أ ـ هـ
 (ج) - قال الله في سورة الكهف حكاية عن الرجل الصالح في قصة صاحب الجنتين (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَدًا)[12] ، هذه الآية الكريمة إذا عرج عليها الكثير من المفسرين يتحدثون عن العين وضررها وخطورتها؛ لأن الله حكى عن هذا الرجل المؤمن قوله لصاحبه: (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ)[13] ، قد يصيب الإنسانُ نفسَه بالعين إذا رأى منها ما يعجبه، فأنه يندب ويستحب للمسلم إذا رأى ما يعجبه في ماله أو لده أو مركبه أو في نفسه أو في غيره من إخوانه المؤمنين أن يقول: "ما شاء الله لا قوة إلا بالله".
والمؤسف أن الدليل بين أيدينا، دليل النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة، ولكن الناس في غفلة عن هذا النور وهذه الهداية إلا من رحم الله.
2 ـ أدلة السنة
لقد جاءت السنة مؤكِّدة للقرآن ومفسِّرة له، ولقد قال المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه "العين حق".
- روى البخاري  عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ : (إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ)[14].
قال الحافظ : قوله : ( ومن كل عين لامة ) قال الخطابي : المراد به كل داء وآفة تلم بالإنسان من جنون وحبل . وقال أبو عبيد : أصله من ألممت إلماما، وإنما قال " لامة " لأنه أراد أنها ذات لمم ، وقال ابن الأنباري : يعني أنها تأتي في وقت بعد وقت ، وقال لامة ليؤاخي لفظ هامة لكونه أخف على اللسان)[15] . أ ـ هـ
ـ وروى البخاري  حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَمَرَ أَنْ يُسْتَرْقَى مِنْ الْعَيْنِ)[16] .
الاسترقاء : طلب الرقية : " الرُّقْيَة والرُّقَى والرَّقْي والاسْتِرْقاء في الحديث ،  والرُّقْيَة : العُوذة التي يُرْقَى بها صاحِب الآفة كالحُمَّى والصَّرع وغير ذلك يمن الآفات . "[17]
ـ قال البخاري : باب : العين حق وروى  ٍ بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْعَيْنُ حَقٌّ وَنَهَى عَنْ الْوَشْمِ)[18] .
الوشم : هو عملية يتم بها غرز الإبرة في الجلد حتى يسيل الدم ثم يوضع عليه أشياء ـ ككحل وغيره ـ  ليصير لونها أخضر .
ـ وروى مسلم  عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا)[19] .
استغسلتم : أي طلبن من العاين الاغتسال للمعيون .
ـ وروى أيضا  عن أَبي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولا : رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لآلِ حَزْمٍ فِي رُقْيَةِ الْحَيَّةِ ، وَقَالَ لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ : (مَا لِي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً تُصِيبُهُمْ الْحَاجَةُ ؟ قَالَتْ : لا وَلَكِنْ الْعَيْنُ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ . قَالَ : ارْقِيهِمْ ، قَالَتْ : فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ ،فَقَالَ : ارْقِيهِمْ )[20] .
ـ أخرج الترمذي  حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُونُسَ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِيُّ عَنْ الْجَرِيرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنْ الْجَانِّ وَعَيْنِ الإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتْ الْمُعَوِّذَتَانِ ، فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا) ، قَالَ أَبُو عِيسَى : وَفِي الْبَاب عَنْ أَنَسٍ ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ )[21] . أ ـ هـ
ـ وروى ابن ماجة  حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ : مَرَّ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بِسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ : لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ وَلا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ !!  فَمَا لَبِثَ أَنْ لُبِطَ بِهِ ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ : أَدْرِكْ سَهْلا صَرِيعًا . قَالَ : مَنْ تَتَّهِمُونَ بِهِ ؟ قَالُوا : عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ،  قَالَ : عَلامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ ؛ إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَأَمَرَ عَامِرًا أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيَغْسِلْ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَرُكْبَتَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ ، قَالَ سُفْيَانُ : قَالَ مَعْمَرٌ ، عَنْ الزُّهْرِيِّ : وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْفَأَ الإِنَاءَ مِنْ خَلْفِهِ)[22] .
      نقف عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعامر رضي الله عنه محتجًّا عليه: «علام يقتل أحدكم أخاه»؟ فقد شبّه النبي صلى الله عليه وسلم العين بآلة القتل والنظرة الصادرة منها بالقتل.
     إننا أمة الأدب أمة الأخلاق، أمة الذوق، في كل حركاتنا وسكناتنا وأقوالنا وأفعالنا، ولكن مع الأسف الكثير من المسلمين لا يتأدبون بآداب الإسلام، ولا يختارون الألفاظ المناسبة إذا رأوا عند أحد نعمة من النعم فيشرّحونه بالقول، وربما يستكثرون عليه نعمة الله..
     كأن يروا عند أحد قوة فيقولون له: "ما هذه القوة"؟! دون أن يباركوا، أو سيارة أو بيت أي مظهر من مظاهر نعمة الله وربما يتضايقون، ويظهر ذلك جليًّا في أعينهم وفي أقوالهم، والمفروض في المؤمن الطاهر الصادق الموصول بالله أن تكون نفسه رحيمة بإخوانه المؤمنين وأن يكون شفيقًا عطوفًا عليهم كما وصف الله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)[23].
والمفروض في المؤمن أن يكون خفيفًا سهلاً ليّنًا حسن القول، كالنسمة الباردة في حر الصيف لا أن يكون ثقيلاً تكرهه النفوس إذا رأيته قرأت قول الله: (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ)[24] . والتبريك أن يقول : تبارك الله أحسن الخالقين اللهم بارك فيه
فواجب على كل من أعجبه شيء أن يبرك ؛ فإنه إذا دعا بالبركة صرف الله المحذور لا محالة والله أعلم.
أنواع وأقسام العين:
اعلموا رحمكم الله أن العين عينان، عين إنسية وعين جنية، وقد « كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان، ثم من أعين الإنس. فإن الجن يعين كما تعين الإنس .
روى ابن ماجة عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَيْنِ الْجَانِّ ، ثُمَّ أَعْيُنِ الإِنْسِ ، فَلَمَّا نَزَلَتْ الْمُعَوِّذَتَانِ أَخَذَهُمَا وَتَرَكَ مَا سِوَى ذَلِكَ)[25] .
ويمكن تقسيم أنواع العين الي قسمين :-
القسم الأول :-
  العين المؤثرة بالأمراض العضوية المعروفة :-
      وهذا النوع من أنواع العين يؤدي الي أمراض تحدد وتشخص من قبل الأطباء والمتخصصين وتكون معروفة لديهم كمرض السرطان والسل،  التشجنات عصبية، تعطيل الحواس العضوية أو بالخمول أو عدم انتظام الدورة (الحيض ) سواء بالتأخير أوبالطول لكنها بسبب غير معروف سببه الجان ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم))[26]،
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك مرتين ففي الإجابة الأولي لفاطمة بنت أبي حبيش -رضي الله عنها-. قال :   ( إِنَّما ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ؛ فَدَعِي الصَّلاَةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا؛ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي)[27]، وفي الإجابة الثانية عندما سألته حمنة بنت جحش و قالت : كنت أستحاض حيضة شديدة فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ ، فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِ أُخْتِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَبِيرَةً شَدِيدَةً ، فَمَا تَرَى فِيهَا ، قَدْ مَنَعَتْنِي الصَّلاةَ وَالصَّوْمَ ؟، قَالَ : أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ " . قَالَتْ : هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ: " فَاتَّخِذِي ثَوْبًا " . قَالَتْ : هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ، إِنَّمَا أَثُجُّ ثَجًّا . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سَآمُرُكِ بَأَمْرَيْنِ ، أَيُّهُمَا فَعَلْتِ أَجْزَأَ عَنْكِ مِنَ الآخَرِ ، فَإِنْ قَوِيتِ عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ " . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا هُوَ رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ، فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَوْ سَبْعَةَ أَيْامٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ اغْتَسِلِي حَتَّى إِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ ، وَاسْتَنْقَأْتِ ، فَصَلِّي ثَلاثَةَ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَجْزِئُكِ ، وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي كُلَّ شَهْرٍ كَمَا تَحِيضَ النِّسَاءُ وَكَمَا يَطْهُرْنَ ، مِيقَاتُ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ ، وَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ فَتَغْتَسِلِينَ ، فَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ : الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، وَتُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ ، وَتُعَجِّلِينَ الْعِشَاءَ ، ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ فَافْعَلِي ، وَصُومِي إِنْ قَدَرْتِ عَلَى ذَلِكَ " . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَهَذَا أَعْجَبُ الأَمْرَيْنِ إِلَيَّ)[28]. فيحاول الشيطان أن يطيل فترة الحيض إما بحجر بعض الدم ثم يمسح بنزوله بعد أنتهاء العدة حتى لا تصلي المرأة وإما أن يجرح المكان حتى يوهم  المرأة فلا تستطيع أن تميز الدم فتتوقف عن الصلاة . ونحوذلك من أمراض متنوعه أخري ويكون الأصل في هذه الأمراض نتيجة التعرض للإصابة بالعين والحسد
القسم الثاني :-
العين المؤثرة بالأمراض العضوية غير المعروفة :-
    وطبيعة هذه الأمراض أنها لا تشخص من قبل الأطباء و لا يقفوا علي الأسباب الحقيقة ورائها ، وهنا لابد من الإشارة لنقطة هامة جداً وهي أن بعض الأمراض لم يقف الطب علي حقيقتها ومعرفة أسبابها لعدم توفر الإمكاتنيات الطبية أوالعلمية المتاحة لإكتشافها والوقوف علي حقيقتها والمقصود من الكلام السابق أن كل مرض لم يقف الطب علي حقيقته لا يعني مطلقاً أنه تأتي بسبب الإصابة بالعين والحسد ، ومن هنا كان الواجب يحتم الدراسة العلمية الموضوعية المستفيضة للحالة للوقوف علي الأسباب الرئيسية للمعاناة والألم والأهتمام بالجانب الديني والمتمثل في الرقيه ، وكذلك التركيز علي الجوانب الطبية الأخرى في الإستشفاء والعلاج. وتنقسم تلك الامراض الي : -
1- العين المؤثرة بالأمراض العضوية ذات التأثيرالكلي الدائم :-
       قد يؤدي هذا النوع من أنواع العين للآلام والأوجاع المستمرة والعامة في أنحاء الجسم وقد تنقل تلك الآلام من عضو لآخر دون تحديد  وتشخيص أعراضها من الناحية الطبية .
2- العين السببيةالوقتية : وهذا النوع من أنواع العين يصيب الإنسان بسبب مظهرة ونشاطه وحركته وتنقسم الي قسمين : -
 (أ) عين تأثيرسببي تتعلق بالعمل والفعل : ويؤثر هذا النوع علي عمل وفعل المصاب ، ويتعلق بجانب معين في حياة المعين ، دون ظهور أى آثار جانبية أخرى متعلقة بحياته العامة أو الخاصة ، وتلك بعض النماذج علي هذا النوع من أنواع العين :-
       * تؤدي للصدود عن الدراسة والمذاكرة والعمل بسبب التفوق الدراسي او فى مجال العمل ، تتعلق بهذا الجانب في حياة المعين دون تترك إي آثار أخرى تتعلق بحايته الزوجية أو الأسرية ونحوه .
       * تؤدي لكراهة المنزل ، والشعور بضيق شديد أثناء التواجد فيه بسبب التصميم والديكور والأثاث ونحوه ، وكذلك يكون التأثير متعلقاً فقط بهذا الجانب دون التأثير علي الجوانب الأخري .
 (ب)عين تأثير سببي وقتي تتعلق بالمظهر والشكل : ويؤثر هذا النوع علي مظهر أوشكل المصاب دون التأثير علي المظاهر الأخرى ، بسبب أن العين قد أصابت هذا المظهر دون غيره من المظاهر الأخرى كالجمال أو نعومة الشعر ونحوه ، وتلك بعض النماذج علي هذا النوع من أنواع العين :
       * تؤدي لكراهية لبس الحلي خاصة الذهب بالنسبة للنساء وعدم القدرة علي فعله، وحال القيام بذلك فقد يؤدي لتقرحات شديدة ، أوضيق شديد في الصدر، وتشعر المراة معها بعدم الإرتياح ، ولا ينفك عنها ذلك الشعور الا بخلعها لتلك الحلي الذهبية ، وقد يؤدي ذلك لفقدانها أوكسرها أوتلفها ، وقد يحصل ذلك بسبب ظهور المرأة متزينة بالحلي بشكل ملفت للنظر . 
       * تؤدي لعدم القدرة علي أرضاع المولود ، اوعدم قبول المولود للرضاعة من الأم بسبب قيامها بذلك أمام النسوة .
        * تؤدي لتساقط الشعر ، أحياناً قد يؤدي للصلع خاصة عند بعض النساء ممن أشتهرن بنعومة شعورهن وجماله وطوله .
4- العين أو النفس العارضة: ( الأعجاب – الغبطة ) : وهذا النوع من أنواع العين عادة ما يصيب الانسان أو الأمور العينية كالبيت والسيارة ، وما يميز ذلك النوع أن العائن لا يتمني ولا يقصد زوال النعمه للشئ المعين ، بقدر أعجابه وحبه لتملكه فتقع العين ويقع تأثيرها بإذن الله سبحانه وتعالي .
حقيقة العين وكيفية إيذائها:
العين من الغيب الذي نؤمن به ولا ندرك حقيقته؛ لأنها تقع من غير إحساس منا، بمعنى أن الإنسان لا يرى ذلك الأمر، وإنما يرى أثر عين العائن على المعيون.
إنها سهم من السهام المسمومة عياذًا بالله، وقد عرف العلماء الإصابة بالعين على أنها نظر باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر.
أراء الناس في حقيقة العين وكيفية إيذائها:
قال العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله :
  فأبطلت طائفة ممن قل نصيبهم من السمع والعقل أمر العين ،  وقالوا : إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها، وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل ، ومن أغلظهم حجابا وأكثفهم طباعا وأبعدهم معرفة عن الأرواح والنفوس وصفاتها وأفعالها وتأثيراتها .
 وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمر العين ، ولا تنكره وإن اختلفوا في سببه وجهة تأثير العين  
فقالت طائفة  :
إن العائن إذا تكيفت نفسه بالكيفية الرديئة ؛ انبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين فيتضرر .
قالوا : ولا يستنكر هذا كما لا يستنكر انبعاث قوة سمية من الأفعى تتصل بالإنسان فيهلك ، وهذا أمر قد اشتهر عن نوع من الأفاعي أنها إذا وقع بصرها على الإنسان هلك ، فكذلك العائن  
وقالت فرقة أخرى :
لا يستبعد أن ينبعث من عين بعض الناس جواهر لطيفة غير مرئية ، فتتصل بالمعين وتتخلل مسام جسمه فيحصل له الضرر  
وقالت فرقة أخرى :
قد أجرى الله العادة بخلق ما يشاء من الضرر عند مقابلة عين العائن   من غير أن يكون منه قوة ولا سبب ولا تأثير أصلا .
وهذا مذهب منكري الأسباب والقوى والتأثيرات في العالم ، وهؤلاء قد سدوا على أنفسهم باب العلل والتأثيرات والأسباب  ،  وخالفوا العقلاء أجمعين . 
ولا ريب أن الله سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة ، وجعل في كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة ، ولا يمكن لعاقل إنكار الأرواح في الأجسام ؛ فإنه أمر مشاهد محسوس ، وأنت ترى الوجه وكيف يحمر حمرة شديد إذا نظر إليه من يحتشمه ويستحي منه ، ويصفر صفرة شديدة عند نظر من يخافه إليه ، وقد شاهد الناس من يسقم من النظر ، وتضعف قواه ، وهذا كله بواسطة تأثير الأرواح ، ولشدة ارتباطها بالعين ينسب الفعل إليها وليست هي الفاعلة ؛ وإنما التأثير للروح ، والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها :
 فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بينا ؛ ولهذا أمر الله سبحانه ورسوله أن يستعيذ به من شره .
وتأثير الحاسد في أذى المحسود أمر لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية ، وهو اصل الإصابة بالعين ؛ فإن النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة ، وتقابل المحسود فتؤثر فيه بتلك الخاصية ، وأشبه الأشياء بهذا الأفعى ؛ فإن السم كامن فيها بالقوة ، فإذا قابلت عدوها انبعث منها قوة غضبية، وتكيفت بكيفية خبيثة مؤذية ، فمنها ما تشتد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين ، ومنها ما تؤثر في طمس البصر كما قال النبي في الأبتر وذي الطفيتين من الحيات إنهما يلتمسان البصر ويسقطان الحبل)[29]
  ومنها ما تؤثر في الإنسان كيفيتها بمجرد الرؤية من غير اتصال به ؛ لشدة خبث تلك النفس وكيفيتها الخبيثة المؤثرة .
والتأثير غير موقوف على الاتصالات الجسمية كما يظنه من قل علمه ومعرفته بالطبيعة والشريعة ؛ بل التأثير يكون تارة بالاتصال ، وتارة بالمقابلة ، وتارة بالرؤية ، وتارة بتوجه الروح نحو من يؤثر فيه ، وتارة بالأدعية والرقى والتعوذات ، وتارة بالوهم والتخيل .
ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية ؛ بل قد يكون أعمى فيوصف له الشيء فتؤثر نفسه فيه وإن لم يره .
وكثير من العائنين يؤثر في المعين بالوصف من غير رؤية وقد قال تعالى لنبيه : (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ )[30]
وقال : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ  * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)[31]
 فكل عائن حاسد وليس كل حاسد عائنا
فلما كان الحاسد أعم من العائن ، كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن ، وهي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسودة ، والمعين تصيبه تارة ، وتخطئه تارة ، فإن صادفته مكشوفا لا وقاية عليه أثرت فيه ولا بد ، وإن صادفته حذرا شاكي السلاح لا منفذ فيه للسهام لم تؤثر فيه ، وربما ردت السهام على صاحبها ، وهذا بمثابة الرمي الحسي سواء فهذا من النفوس والأرواح ، وذاك من الأجسام والأشباح ، وأصله من إعجاب العائن بالشيء ثم تتبعه كيفية نفسه الخبيثة ثم تستعين على تنفيذ سمها بنظرة إلى المعين ، وقد يعين الرجل نفسه وقد يعين بغير إرادته بل بطبعه ، وهذا أردأ ما يكون من النوع الإنساني))[32] . أ ـ هـ
مواقف للعائنين:
هناك مواقف للعائنين ذكرها العلماء في كتبهم نختار بعضها ليعرف الإنسان مدى تأثير العين على الأشياء .
الموقف الأول :
 قال الأصمعي ـ رحمه الله ـ :
رأيت رجلا عيونا سمع بقرة تحلب فأعجبه صوت شخبها فقال :
أيتهن هذه ؟
قالوا : الفلانية ـ لبقرة أخرى يورون عنها ـ
فهلكتا جميعا ـ الموري منها والمورى عنها . أ ـ هـ
الشخب : صوت الحليب وهو يخرج من ثديها
الموقف الثاني :
وقال أيضا :وسمعته يقول  إذا رأيت الشيء يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني .
الموقف الثالث :
وقال أيضا : وكان عندنا رجلان يعنان الناس ، فمر أحدهما بحوض من حجارة فقال : تالله ما رأيت كاليوم قط ، فتطاير الحوض فرقتين ، فأخذه أهله فضببوه
الموقف الرابع :
 قال ابن عبد البر :
أخبرنا عبدالوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا مؤزر ، حدثنا سفيان ، حدثنا حصين ، عن هلال بن يساف ، عن سحيم بن نوفل قال : كنا عند عبدالله نعرض المصاحف فجاءت جارية أعرابية إلى رجل منا فقالت  :  فلانا قد لقع مهرك بعينه وهو يدور في فلك لا يأكل ولا يشرب ولا يبول ولا يروث فالتمس له راقيا
فقال عبدالله : لا نلتمس له راقيا ؛ ولكن ائته فانفخ في منخره الأيمن أربعا ، وفي الأيسر ثلاثا ، وقل : لا بأس أذهب الباس رب الناس اشف أنت الشافي لا يكشف الضر إلا أنت ، فقام الرجل فانطلق فما برحنا حتى رجع فقال لعبدالله : فعلت الذي أمرتني به فما برحت حتى أكل وشرب وبال وارث . أ ـ هـ
الموقف الخامس :
 وقال أيضا : وحكى المدائني عن الأصمعي قال حج هشام بن عبد الملك فأتى المدينة فدخل عليه سالم بن عبدالله بن عمر فلما خرج من عنده قال هشام ما رأيت ابن سبعين أحسن كدنة منه فلما صار سالم في منزله حم فقال أترون الأحول لقعني بعينيه فما خرج هشام من المدينة حتى صلى عليه)[33] . أ ـ هـ
الموقف السادس :
خرج سعد بن أبي وقاص يوما وهو أمير الكوفة ، فنظرت إليه امرأة فقالت : إن أميركم هذا لأهضم الكشحين ، فعانته ، فرجع إلى منزله فوعك ، ثم إنه بلغه ما قالت فأرسل إليها فغسلت له أطرافها ، ثم اغتسل به فذهب ذلك عنه)[34] .
الوقاية من العين:
والحذر من العين مقدماً أمر مهم و لا ينافي التوكل لان التوكل الأعتماد علي الله سبحانه مع فعل الأسباب التي أباحها وأمر بها هناك طرق عديدة للوقاية من الإصابة من العين قال العلماء رحمهم الله: "إن الإنسان يتقي العين بطريقتين: طريقة شرعية، وطريقة قدرية، وكلاهما جائز، الطريقة الشرعية أن يقرأ على نفسه ويحصن نفسه وأولاده بآيات القرآن كالفاتحة وآية الكرسي، والإخلاص والمعوذتين، وغيرها من آيات القرآن، وكذا بالأدعية النبوية الثابتة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم..
فقد كان عليه الصلاة والسلام يعوّذ الحسن والحسين يقول: «أعوذكم بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن عين لامة»، ويقول: «هكذا كان إبراهيم يعوّذ إسماعيل وإسحاق عليهما السلام»[35]،.
وكرقية جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ دَاءٍ يُؤْذِيكَ، وَمَنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أوَ عَيْنٍ حاسد، اللَّهُ يَشْفِيكَ، بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ».
والوقاية القدرية: الإحتراز بستر محاسن من يخاف عليه من العينوعلى الإنسان يحتاط في لباسه وكلامه وفي الشيء الذي يُميَّز به، فلا يُظهِره للناس على أكمل وجه، وهذا مأخوذ من قول نبي الله يعقوب كما حكى الله عنه وقال (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ..)[36]
    ذكر البغوي في كتاب شرح السنة: (ان عثمان رضي الله عنه – رأى صبياً مليحاً  فقال : دسموا نونته ، لئلا تصيبه العين، قال في تفسيره : ومعني : دسموا نونته أى سودوا نونته ، والنوته : النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير)[37] - وذلك سبب ما شرعه الله ، فقد قال تعالي :( ياأيها الذين آمنوا خذوا حذركم ) (النساء) وهو يعم الحذر من كل مافيه ضر علي النفس أوالمــال ، وقـــال تعــالي: ( وخذوا حذركم ) .
1 ـ ستر محاسن من يخاف عليه العين
قال ابن القيم : (ومن علاج ذلك أيضا ، والاحتراز منه : ستر محاسن من يخاف عليه العين بما يردها عنه كما ذكر البغوي في " كتاب شرح السنة " أن عثمان رضي الله عنه رأى صبيا مليحا فقال : دسموا نونته لئلا تصيبه العين .
ثم قال في تفسيره : ومعنى (دسموا نونته)  أي سودوا نونته والنونة : النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير  
وقال الخطابي في "غريب الحديث"  له : عن عثمان إنه رأى صبيا تأخذه العين فقال:  دسموا نونته
فقال أبو عمرو : سألت أحمد بن يحيى عنه ؟. فقال : أراد بالنونة : النقرة التي في ذقنه .
والتدسيم : التسويد ، أراد : سودوا ذلك الموضع من ذقنه ليرد العين قال : ومن هذا حديث عائشة أن رسول الله خطب ذات يوم وعلى رأسه عمامة دسماء أي سوداء أراد الاستشهاد على اللفظة ومن هذا أخذ الشاعر قوله :
   ما كان أحوج الكمال إلى      عيب يوقيه من العين)[38] . أ ـ هـ
2 ـ تعويذ الأطفال بتعويذة إبراهيم عليه السلام
روى البخاري  عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ : (إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ)[39] .
3 ـ أن يحصن الإنسان نفسه إذا نزل منزلا
روى مسلم  عن سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ تَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (مَنْ نَزَلَ مَنْزِلا ثُمَّ قَالَ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ)[40] .
4 ـ إذا رأى الإنسان شيئا يعجبه يدعو له بالبركة
وذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة : إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ .
5 ـ وفي النهاية يعتقد الإنسان أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وأن كل شئ بقدر الله قال تعالى : (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[41] .
علاج المصاب بالعين
الرقي والتعاويذ :
  أن الرقي والتعاويذ من أعظم ما يقي ويزيل العين قبل وقوعها بإذن الله تعالي،هناك بعض الآيات والسور التي ثبت نفعها في الرقية بشكل عام، وكذلك ثبت وقعها وتأثيرها في علاج العين قوله ( ما شاء الله و لاقوة إلابالله ) .
    ويستحب لمن رأى شيئاً من نفسه أوماله أو ولده أو أي شئ فأعجبه أن يقول: ما شاء الله لا قوة الا بالله .
ذكر ابن القيم رحمه الله جملة من العلاج النبوي لهذه العلة فقال :
فمن التعوذات والرقي الإكثار من قراءة المعوذتين وفاتحة الكتاب وآية الكرسي
ومنها : التعوذات النبوية نحو أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق  
ونحو : أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة  
ونحو : أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر طوارق الليل إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن  
ومنها : أعوذ بكلمات الله التامة من غضبة وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون  
ومنها : اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامات من شر ما أنت آخذ بناصيته اللهم أنت تكشف المأثم والمغرم اللهم إنه لا يهزم جندك ولا يخلف وعدك سبحانك وبحمدك  
ومنها : أعوذ بوجه الله العظيم الذي لا شيء أعظم منه وبكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر وأسماء الله الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم من شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر كل ذي شر لا أطيق شره ومن شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته إن ربي على صراط مستقيم  
ومنها : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لا حول ولا قوة إلا بالله أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم وإن شاء قال تحصنت بالله الذي لا إله إلا هو إلهي وإله كل شيء واعتصمت بربي ورب كل شيء وتوكلت على الحي الذي لا يموت واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الرب من العباد حسبي الخالق من المخلوق حسبي الرازق من المرزوق حسبي الذي هو حسبي حسبي الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير الله مرمى حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم  .
 ومن جرب هذه الدعوات والعوذ عرف مقدار منفعتها وشدة الحاجة إليها وهي تمنع وصول أثر العائن وتدفعه بعد وصوله بحسب قوة إيمان قائلها وقوة نفسه واستعداده وقوة توكله وثبات قلبه فإنها سلاح والسلاح بضاربه .
فصل  : وإذا كان العائن يخشى ضرر عينه وإصابتها للمعين فليدفع شرها بقوله اللهم بارك عليه كما قال النبي لعامر بن ربيعة لما عان سهل ابن حنيف : إلا بركت أي قلت اللهم بارك عليه  ومما يدفع به إصابة العين قول ما شاء الله لا قوة إلا بالله)[42] . أ ـ هـ
الإستعاذة بالله من العين : - 
  أمرالله تعالي عباده بالإستعاذة من شر ماخلق عموماً ثم من شر غاسق إذا وقب ، ومن شر النفاسات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد وكلها أمور مغيبة عنا لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالي .
     قال النسفي في تفسيره لسورة الفلق :فأن الإستعاذه من شر هذه الاشياء ، بعد الإستعاذه من شر ماخلق إشعار بأن هؤلاء أشد وختم بالحسد ليعلم أنه شرها)[43].
        قال أبن كثير في تفسير القرآن العظيم :( عن علي رضي الله عنه أن جبريل أاتي النبي صلى الله عليه وسلم فوافقه مغتماً فقال : يا محمد ، ما هذا الغم الذي أراه في وجهك؟ قال :(الحسن والحسين  أصابتهما عين ) فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ صَدِّقْ بِالْعَيْنِ ، فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ ، ثُمَّ قَالَ : أَفَلا عَوَّذْتَهُمَا بِهَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ ؟ ، قَالَ : وَمَا هُنَّ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : قُلِ اللَّهُمَّ ذَا السُّلْطَانِ الْعَظِيمِ ، ذَا الْمَنِّ الْقَدِيمِ ، ذَا الْوَجْهِ الْكَرِيمِ ، وَالْكَلِمَاتِ التَّامَّاتِ ، وَالدَّعَوَاتِ الْمُسَتَجَابَاتِ عَافِ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ مِنْ أَنْفُسِ الْجِنِّ وَأَعْيُنِ الإِنْسِ ، فَقَالَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَا يَلْعَبَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ : عَوِّذُوا نِسَاءَكُمْ وَأَوْلادَكُمْ بِهَذَا التَّعَوُّذِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَوَّذِ الْمُتَعَوِّذُونَ بِمِثْلِهِ)[44]
المحافظة علي الذكر  والدعاء :-
      ومن أنجع الوسائل للوقاية من العين قبل وقوعها وبعد التحصين بالأذكار والأدعية،
ومن جرب الدعوات والعوذ ، وعرف مقدار منفعتها ، وشدة الحاجة إليها ، وهي تمنع وصول أثر العائن ، وتدفعه بعد وصوله بحسب قوة إيمان قائلها ، وقوة نفسه ، وإستعداده وقوة توكله وثبات قلبه ، فأنها سلاح ، والسلاح بضاربه .
    وكذلك يستحب الدعاء للمصاب بالعين فقد ورد عن عبد الله بن عامر الحديث... فضرب صلى الله عليه وسلم صدره بيده ثم قال :  ( اللهم أذهب عنه حرها وبردها ووصبها ) الوصب : التعب قال :فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا راى أحدكم من أخيه اومن نفسه أوماله ما يعجبه ، فليبركه ، فأن العين حق )[45].
       ومن هنا فإنه يسن للمسلم أن يدعو لأخيه لمن أبتلي بداء العين والحسد ، والخبرة والتجربة تعضد قول المعصوم عليه الصلاة والسلام ، علماً بأنها قد ثبت معاناة معظم مرضي العين والحسد من كافة الأعراض المذكورة في الحديث ، كشعورالمريض بالتعب والحرارة والبرودة وضرب صدره بيده فيه حكمة نبوية والدعاء فيه توجه الي الله تعالي لإزالة كافة الأعراض وشفاء المريض بإذنالله تعالي .
أستخدام المداد المباح :-
      ومن الأمور المجربة والنافعة لعلاج العين أستخدام المداد في كتابةالآيات القرآنية والأدعية وشربها قال أبن القيم : ورأى جماعة من السلف ان تكتب له – العين – الآيات ، ومثله عن أبي قلابة ، ويذكر عن أبن عباس أنه أمر أن يكتب لإمرأة تعسر عليها ولادتها أثر من القرآن ، ثم يغسل وتسقي ، وقال أيوب : رأيت أبا قلابة كتب كتاباً من القرآن ، ثم غسله بماء ، وسقاه رجلاً كان به وجع)[46] .
     قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أن الشيطان يجرى من الأنسان مجري الدم ) معني هذا أن الشيطان يكون بداخل الانسان ويجري منه مجري الدم وقد اثبت العلم تكوين الدم من نقل عنصر الماء وكذلك الاكسجين الذي يتم استنشاقه او شربه ضمن مكونات الماء ولذلك نجد كتابة الآيات القرآنية والأدعية ومحوها بالماء ثم شربها له فوائد علاجية واضحة أماالشق الآخر فهوكتابة الآيات وإستشاقها عن طريق التنفس وهوما يعرف بالبخره قال رسـول صلى الله عليه وسلم: ( من أستطاع أن ينفع أخاه فليفعل ) وقد ثبت بالتجربة عند تقوم بمعالجة المصاب بالبخرة التي تحتوى علي آيه قرآنية مكتوبةعلي الورق فإن الآيه تحاصر الشيطان عند الاستنشاف و تضيق عليه ويخرج الشيطان ويقوم المصاب سليم .
الأمور الحسية الثابتة بالتجربة : -
    ذكرالعلماء الأجلاء شروط الأخذ بالأسباب ويمكن إيجازها فيما يلي :-  
      1- أن يكون السبب مما ثبت أنه سبب  شرعاً لأن هناك من الأسباب ماهو محرم وليس كل سبب حصل به المقصود ونيل به الطلب لا يجوزالأخذ به لابد في ذلك من النظر إليه من الناحية الشرعية فما أجاز لنا الشرع الأخذ به من الأسباب أخذنا به  مع عدم الأعتماد عليه يكون الأعتماد علي خالقه وسببه أن هذه الأسباب مرتبطة بقدرالله عزوجل. والصحيح في هذه المسألة الجواز لإعتماد نص صريح في هذا الباب والقياس عليه ، خاصة ان فعل ذلك دون الإعتقاد فيه يؤدي لنتائج إيجابية طيبة ومحمودة .
       ويندرج تحت هذا الحكم أمور أخرى تتعلق بطريقة علاج العين بشكل عام كنفث العائن علي المعين أو وضع اليد في الألم أوتبريكه ونحو ذلك ، مع التنبيه لأمر هام جداً  يتعلق بهذه المسألة وهوإستخدام تلك الكيفيات وعلي هذا النحو يرقي لكي يصبح سبباً حسياً للشفاء بإذن الله تعالي ، وهذا ما قررته الخبرة والتجربة لدي كثيرمن المعالجين أصحاب المنهج الإسلامي ، مع تدوين بعض النقاط الهامة ، وهي علي النحوالتالي :-
   الاعتماد علي الطريقة الواردة في حادثة سهل ابن حنيف ، والتي تنص علي أخذ غسل العائن وصبه علي المعين كما بينها العلماء الأجلاء قال صلى الله عليه وسلم:( وإذا استغسلتم فأغسلوا )[47].
      فهو يعني غسل البدن كله ، أوغسل بعض البدن ، وحيث جرب أن أخذ شئ من أثره يفيد ، فإن ذلك جائز كغسل نعله الذي يلبسه ، أو جوربه الذي يباشر جلده ، لأمره صلى الله عليه وسلم في الحديث يغسل داخل إذاره ، أي الذي يلي جسده ، وكذا مست يداه من عصي وقفاز ، وكذا فضل وضوئه الذي أغترف منه ، أوما لفظه من النوى ، او تعرق من عظم أونحو ذلك ، وهذا بحسب التجربة وقد يصيب بإذن الله وقد يستعصي ذلك بسبب قوة نفس العائن وضعفها، وقد أخذ بهذه الطريقة في العلاج قياساً علي أمره صلى الله عليه وسلم بالإغتسال كمافي الحديث الصحيح .
       وهنا فائدة : فقد ثبت علمياً أن الريق والعرق والشعر والظفر والدم ، ترسل ذبذبة خاصة من جسم صاحبها حتى ولو انفصلت عنه ، ولهذا يستخدم الساحر الظفر والشعروالملابس والاثر في عملية السحر لاستخدام هذه الذبذبة عن طريق الجن في الاضرار بالمسحور .
5- وضع اليد في مكان الألم أو مسحه والدعاء :
          لاباس بوضع اليد موضع  الألم ومسحه بعد النفث عليه ، كما يجوز القراءة ثم النفث بعدها علي اليدن كله للاحاديث المذكورة ، والمسح هوأن يمر يده علي المواضع مراراً ، ففي ذلك شفاء وتأثير عن محمد بن سالم ثابت البناني قال : يامحمد : إذا اشتكيت فضع يدك حيث تشتكي ثم قل ( بسم الله اعوذ بعزة الله وقدرتة ، من شر ماجد من وجعي هذا ) ثم ارفع يدك ، ثم اعد ذلك وترا ، فأن أنس بن مالك رضي الله عنه حدثني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه بذلك)[48] .
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اشْتَكَى مِنَّا إِنْسَانٌ مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا فَلَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَثَقُلَ أَخَذْتُ بِيَدِهِ لأَصْنَعَ بِهِ نَحْوَ مَا كَانَ يَصْنَعُ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ يَدِي ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاجْعَلْنِي مَعَ الرَّفِيقِ الأَعْلَى قَالَتْ فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ قَدْ قَضَى . رواه مسلم
 وعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَرْقِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْعَيْنِ فَأَضَعُ يَدِي عَلَى صَدْرِهِ وَأَقُولُ امْسَحِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ بِيَدِكَ الشِّفَاءُ لا كَاشِفَ لَهُ إِلا أَنْتَ)[49].
 عَنْ سَعِيدٍ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ بِوَلَدِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بِهِ لَمَمًا وَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ عِنْدَ طَعَامِنَا فَيُفْسِدُ عَلَيْنَا طَعَامَنَا قَالَ فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدْرَهُ وَدَعَا لَهُ فَتَعَّ تَعَّةً فَخَرَجَ مِنْ فِيهِ مِثْلُ الْجَرْوِ الأسْوَدِ فَشُفِيَ)[50] .
وعن عائشةَ بنتِ سعد أن  أباها قال: تَشكيتُ بمكة شكوَى شديدة ، فجاءني النبيّ صلى الله عليه وسلم يَعودُني, فقلتُ: يانبيّ الله ، إني أترُكُ مالاً ، وإني لم أترُك إلا بنتاً واحدة ، فأُوصي بثُلثَي مالي وأترُكُ الثلثَ؟ فقال: لا. قلتُ: فأُوصي بالنصفِ وأتركُ النصفَ؟ قال: لا. قلتُ: فأُوصي بالثلثِ وأترُكَ لها الثلثين؟ قال: الثلثُ ، والثلثُ كثير. ثم وضعَ يدَهُ على جبهتهِ ، ثم مَسحَ يدَه على وَجهي وبَطني ، ثم قال: اللهم اشفِ سعداً, وأَتممْ له هِجرَته. فما زِلتُ أجدُ بَردَهُ على كَبِدي فيما يُخالُ إِليّ حتى الساعة)[51].
    ليعلم أن كل إنسان أي إنسان – يستطيع ان يضر أخاه بإذن الله بشرط واحد وهو أن يطلق عليه وضعاً بدون أن يذكر الله  : يقول الأمام أبن حجر ( أن العين تكون مع الأعجاب بغير حسد ولو من الرجل المحب ومن وأن الذي يعجبه الشئ ينبغي أن يبادر الي الدعاء الذي يعجبه بالبركة  فيكون ذلك رقيه منه ) .
    إذًا عباد الله يستخلص من ذلك كله أن الرقى تكون مشروعة إذا تحقق فيها شروط ثلاثة:
أولها: ألا يكون فيها شرك ولا معصية كدعاء غير الله والاستغاثة والإقسام بغير الله..
وثانيها: أن تكون بالعربية وما يُعرف معناه.
وثالثها: ألا يعتقد في كونها مؤثرة بنفسها، بل يعتقد المريض بأن الله هو الشافي.
قال ابن أبو العز الدمشقي: "واتفقوا على أن كل رقية وتعزيم أو قسم فيه شرك بالله- فإنه لا يجوز التكلم به، وإن أطاعته الجن أو غيرهم".
أخوتى فى الله: إذا كان أمر العين ثابتًا، فإن من الأخطاء الشائعة والبلايا المعقدة أن يصبح المرض بالعين شبحًا مروعًا أو هاجسًا متدليًا إلى الذهن عند كل وخذة ألم أو نكسة نفس؛ حتى يصل الأمر إلى درجة الوهم، فإذا عطس أحد قالوا العين، وإذا فشل في أمرٍ لأنه لم يأخذ بالأسباب قالوا العين.. حتى تصبح العين شماعة يعلق عليها الناس فشلهم ونكساتهم، وهذا هو الداء العضال؛ إذ لا يزيد الوهم إلا وهنا..
     فاتقوا الله ، وبادروا بالرقى والأذكار الشرعية إصابات العين، وليتقِ الله العائن وليُذهب من قلبه الحسد إن استطاع، وإلا فليطفئ نار إعجابه بالشيء بذكر الله سبحانه وليدفع شر عينيه بقوله: "اللهم بارك عليه".
ولنصحح علاقتنا مع الله توحيدًا وتجريدًا، ومع المسلمين محبة وتوطيدا، وبدل أن نشتغل بالناس وبكسبهم وبأموالهم وبأحوالهم وبأولادهم، فلنشتغل بالله وبذكر الله، وبالاستعداد ليوم الميعاد؛ فإن الأمر أعجل من ذلك. اللهم أشغلنا بك عمن عاداك، وبذكرك عمن سواك..
     جعلني الله وإياكم ممن ذُكر فنفعته الذكرى، وأخلص لله عمله سرًّا وجهرًا، آمين.. آمين والحمد لله رب العالمين
 ( اللهم صلى وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه )


[1] سورة القلم: 51- 52
[2] رواه البخاري في تاريخه والبزار في مسنده.
[3] رواه أبو نعيم في الحلية
[4] [سورة الفلق]
[5] سورة يوسف:67.
[6] تفسير ابن كثير (2/485)
[7] الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي (9/226)
[8] تفسير البغوي (2/437) باختصار
[9] (القلم:51)
[10] تفسير ابن كثير (4/410)
[11] تفسير القرطبي (18/254،255)
[12] [الكهف: 39]
[13] [الكهف: 39]
[14] رواه البخاري (3371)
[15] فتح الباري لابن حجر العسقلاني (6/410)
[16] رواه البخاري (5783)
[17] النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (2/254)،
[18]رواه البخاري( 5740)
[19] رواه مسلم (2188)
[20] رواه مسلم(2198).
[21] أخرج الترمذي (2058) وأخرجه النسائي ( 5494) من رواية عَبَّادٌ بن العوام بن عمر عَنْ الْجُرَيْرِيِّ به إلا أنه زاد (يَتَعَوَّذُ مِنْ عَيْنِ الْجَانِّ ...الحديث )

[22] رواه ابن ماجة (3509)صحيح : وقد أخرجه مالك في موطئه ( 1746)  ، وأحمد في مسنده (15550).

[23] سورة الفتح: 29.
[25] رواه ابن ماجة ( 3511) وأخرجه الترمذي (2058) والنسائي (5494) من طريق أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة عن أبي سعيد الخدري به
[26] رواه البخاري 4/282 فتح، ومسلم 14/155 نووي.
[28] رواه الترمذي
[29] روى مسلم (2233) عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالأَبْتَرَ ؛ فَإِنَّهُمَا يَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَلَ وَيَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ .
[30] (القلم: من الآية51)
[31] (الفلق:1 ـ 5)
[32] زاد المعاد لابن القيم (4/165 ـ 168)
[33] التمهيد لابن عبد البر (6/238 ، 239)
[34] المصدر السابق (6/241)
[35] رواه البخاري وأصحاب السنن
[36] سورة يوسف: 67.
[37] الطب النبوي ص(173)
[38] زاد المعاد (4/173)
[39] رواه البخاري (3371)
[40] رواه مسلم (2708)
[41] سورة التوبة:51
[42] زاد المعاد (4/167 ،168)
[43] تفسير النسفي ص ( 430 )
[44] اخرجه ابن عساكر . الحجة فى بيان المحجة فى عقيدة اهل السنة رقم الحديث: 253 - الاصبهانى

[45] أخرجه الحاكم في المستدرك
[46] الطب النبوى ص (170).

[47] اخرجه مسلم
[48] أخرجه الترمذي
[49] رواه أحمد في مسنده
[50] رواه أحمد
[51] روه البخاري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.